كتبت : آلاء ابو الري
إن ما يجري في غزة من أحداث عرفت بمعركة "طوفان الأقصى" ليس مجرد حرب واعتداء وجرائم صهيونية ضد الشعب الفلسطيني برجاله ونسائه وشيوخه وبنيته التحتية، وإن كان هذا أمرا عظيما وحدثا فارقا لا أكون مبالغا إن قلت: إن طوفان الأقصى سيوضع في تاريخنا ضمن المعارك الكبرى التي تحول عندها التاريخ، مثل بدر، وفتح مكة، وحطين، وعين جالوت، وبلاط الشهداء، وذات الصواري، والزلاقة، والعقاب، وعمورية، وفتح الأندلس، وفتح سمرقند، وفتح صقلية، والقادسية، ونهاوند، ووادي المخازن، واليرموك، وغيرها من المعارك والأحداث التي أرخ بها المسلمون أيامهم، وتغيرت عندها الدنيا، وتحول بها التاريخ.
أقول: إن ما يجري على أرض غزة ليس مجرد هذا فقط، على عظمته وجسامته وأهميته البالغة، وإنما صارت غزة برجالها ونسائها وأطفالها ملحمة دعوية تتجلى فيها معالم الإيمان، وترتسم فيها صور الإسلام، في الرضا والصبر والثبات والعزة والأنفة والإباء واليقين، وتتجسد فيها معاني العقيدة الإيمانية، والعبادة الحقيقية، ويمارس على أرضها ذروة سنام الإسلام.. وباختصار إن أرض غزة الآن بثبات أهلها وصمودهم صارت محط أنظار العالم في الوقوف أمام نموذج تاريخي في معاني الإسلام جميعا: إيمانا وأخلاقا وشريعة ومعاملة وآدابا، يرمقه الناس من بعيد بإكبار وإجلال وإعظام يجعل الرامقين في حالة ذهول وشرود ودهوش...
فهذه أم تفقد أبناءها، وتراها ثابتة صامدة، ليس هذا فحسب، ولكن يصدر عنها كلام كأنما زادها الفقد ثباتا وإصرارا على البقاء والصمود والتحدي، وهذه زوجة تفقد زوجها، فتقف صامدة صابرة محتسبة تتمتم بكلمات الرضا والفخر بالشهادة، ورجل يفقد أسرته فلا يصدر عنه ما يفيد الضجر والبرم والجموح، وإنما هو الصبر والرضا واليقين والصمود والاستسلام لله الكبير المتعال، وتلك أسرة تفقد بيتها ومعاشها ثم تجلس في بساطة ويسر بجوار الركام والأطلال في خيمة تمارس حياتها وتعطي النموذج المثال في إرادة البقاء، والإصرار على التحدي والصمود، وهذا طفل يتكلم بكلمات لا يتكلم بها الدعاة ولا العلماء في معاني العقيدة الحقة والمقاومة المستمرة والإرادة الصلبة والتحمل العظيم .. وهكذا أمثلة وصور لا تقع تحت العبارة، ولا تلحقها الإشارة.
كل هذا جعل العالم كله من أقصاه إلى أقصاه ينظرون لهذه المشاهد وهم في حالة من الإعجاب والتساؤل: ما هذا النموذج النادر من البشر؟ هل هؤلاء بشر؟ وما الذي جعلهم يتحملون كل هذا؟ وما الذي حملهم على أن يتكلموا بهذا الكلام؟ وما السر وراء هذه الحالة النفسية العجيبة رغم عظم الفقد وكبر الرزء ووحشة الحياة؟!
هل هذا النموذج هو ما كنا نعده إرهابا قبل السابع من أكتوبر؟ هل هؤلاء إرهابيون؟ إن ما نراه أمامنا من صبر وثبات، وإيمان ويقين، وصمود وتحد، ورضا واستمرار، لا يمكن أن يصدر عن إرهاب ولا إرهابيين، وإنما يصدر عن بشر استثنائيين في تاريخ البشرية، ولا يمكن أن يصدر هذا عن بشر مجردين بل لابد من وجود سر آخر وباعث مختلف ودافع آخر.. إنه سر الإسلام وباعث الإيمان.